لا يصح اتفاق التحكيم إلا إذا ثبت أن الأطراف اتجهوا إليه بإرادة واضحة ويقين قاطع. إن توقيع أحد الأطراف بصفته شاهداً لا يُلزمه بشرط التحكيم الموجود في العقد طالما أن إرادته لم تتجه لقبول الشرط.

 

القضية المعروفة بقضية برنامج ( البرنامج ) للاعلامي باسم يوسف ونزاعه مع محطة CBC المصرية

ملخص القضية:

في عام 2012 أبرمت إحدى الشركات عقداً مع الإعلامي باسم يوسف والغرض منه إنتاج برنامج ساخر باسم ( البرنامج ) بحيث تتحمل الشركة المنتجة كافة النفقات وتحوز على كافة حقوق الاستغلال المالي. وتضمن العقد السابق ذكره شرط حل النزاعات عن طريق القضاء المصري وتحديداً محاكم منطقة الجيزة.
ولاحقاً أبرمت الشركة المنتجة أتفاقاً مع محطة تلفزيون CBC المصرية لاستغلال حقوق بث البرنامج على قناة CBC وقد تضمن العقد الأخير شرط حل النزاعات عن طريق التحكيم وفقاً لقواعد مركز القاهرة الاقليمي. كما تضمن العقد حظر تدخل المحطة في المحتوى الذي سيقدم ضمن البرنامج وأن الإعلامي باسم يوسف هو المسؤول عن أي نزاع ينشأ عن المحتوى الذي سيتضمنه البرنامج. وتضمن العقد المذكور توقيع الإعلامي باسم يوسف بصفته شاهدا على العقد وضامناً لتنفيذ الالتزامات المترتبة عليه  .
بتاريخ 25-10-2013 تم إذاعة الحلقة الأولى من الموسم الثاني من برنامج ” البرنامج ” على فضائية CBC , وفي اليوم الثاني قدمت المحطة اعتذاراً عن محتوى الحلقة. وبتاريخ 01-11-2013 قامت الشركة المنتجة بتسليم المحطة الحلقة الثانية لعرضها بذات اليوم إلا أن المحطة الفضائية رفضت إذاعة الحلقة .
نتيجة لذلك وقع الخلاف بين الأطراف وقامت الشركة المنتجة بفسخ العقد مع المحطة الفضائية وبدأت إجراءات التحكيم وفق ما نص عليه العقد الموقع بينهم. وبالمقابل طالبت المحطة الفضائية بتعويض عن ما فاتها من كسب نتيجة وقف تنفيذ العقد. أما الطرف الثالث ( باسم يوسف ) فقد دفع بعد اختصاص هيئة التحكيم تجاهه لأنه لم يوقع على العقد المتضمن شرط التحكيم .
بتاريخ 10-11-2014 حكمت هيئة التحكيم بالأغلبية بإلزام الشركة المنتجة دفع مبلغ تعويض للمحطة الفضائية يقدر بخمسين مليون جنيه مصري. وكذلك حكمت هيئة التحكيم على الإعلامي باسم يوسف بدفع مبلغ مماثل للقانة الفضائية على سبيل التعويض.
رفضت الشركة المنتجة الحكم المذكور فتقدمت بدعوى بطلان حكم التحكيم أمام محكمة استئناف القاهرة التي قضت من حيث النتيجة ببطلان حكيم التحكيم المعترض عليه.
تقدمت المحطة الفضائية بطعن أمام محكمة النقض ضد حكم البطلان الصادر عن محكمة استئناف القاهرة. وفي النهاية قررت محكمة النقض المصرية اعتبار حكم التحكيم باطلاً فقط بالنسبة للطرف الثالث (الإعلامي باسم يوسف ) ويبقى صحيحاً وملزماً بين الطرفين الآخرين وهما شركة الإنتاج والمحطة الفضائية.


أما عن أهم ما جاء في حكم محكمة النقض المصرية فيما يخص فقه التحكيم فقد قالت المحكمة :

 إنه من المقرر أن التنظيم القانوني للتحكيم إنما يقوم على رضاء الأطراف وقبولهم به كوسيلة لحسم كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهم بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية أو غير عقدية، فإرادة المتعاقدين هي التي يرتكز عليها التحكيم وتحدد نطاقه من حيث المسائل التي يشملها والقانون الواجب التطبيق وتشكيل هيئة التحكيم وسلطاتها وإجراءات التحكيم وغيرها, وعلى ذلك فمتى تخلف الاتفاق امتنع القول بقيام التحكيم, وهو ما يستتبع نسبية أثره فلا يحتج به إلا في مواجه الطرف الذي ارتضاه وقبل خصومته. وكان من الأصول المقررة أن العقد يصدق على كل اتفاق يراد به إحداث أثر قانوني , وإسباغ وصف المتعاقد إنما ينصرف إلى من يفصح عن إرادة متطابقة مع إرادة أخرى على انشاء التزام أو نقله أو تعديله أو زواله في خصوص موضوع معين يحدد العقد نطاقه . دون أن يعتبر – بإطلاق – كل من يرد ذكره بالعقد أنه أحد أطرافه، طالما لم يكن له صلة بشأن ترتيب الأثر القانوني الذي يدور حوله النزاع الناشئ بسبب العقد.
وفي التحكيم يجب أن يكون التوقيع منصباً على إرادة إبرام اتفاق التحكيم . وكان اتفاق التحكيم – شرطاً أم مشارطة – هو عقد حقيقي له سائر شروط وأركان العقود عموماً . والتراضي ركن لا يقوم بدونه اتفاق التحكيم , وجوهره تقابل إرادتين متطابقتين للطرفين الراغبين في اتخاذ التحكيم سبيلاً لتسوية منازعاتهما , بعيداً عن قضاء الدولة صاحب الولاية العامة في نظر كافة المنازعات أياً كان نوعها وأيّاً كان أطرافها , فإذا عبر أحد الطرفين إيجاباً عن رغبته في تسوية النزاع عن طريق التحكيم , فيلزم أن يكون قبول الطرف الآخر باتاً ومنتجاً في إحداث آثاره , حتى يمكن القول بوجود تطابق حقيقي بين ايجاب وقبول طرفي التحكيم على نحو لا يتطرق إليه أي شك أو احتمال أو جدل. ويتحقق التراضي على شرط التحكيم , بالمفاوضات التي تدور بين الطرفين حول بنود العقد الأصلي وشروطه ومن بينها شرط التحكيم – باعتباره عقداً مستقلاً داخل العقد الأصلي – وإثبات التراضي على ذلك كتابة والتوقيع عليه منهما ….. وعلّة استلزام الكتابة , سواء لوجود اتفاق التحكيم أو لإثباته , مرجعها أن التحكيم والاتفاق عليه من التصرفات القانونية ذات الخطر , لما في ذلك من نزع الاختصاص بنظر النزاع بين طرفي الاتفاق من قضاء الدولة , الذي يتعين عليه الامتناع عن الفصل في أي دعوى يتمسك فيها الخصم بوجود اتفاق تحكيم ويعترض منكراً أي حق لخصمه في الالتجاء للقضاء … ومن ثم يتعين التيقن من أن إرادة الأطراف اتجهت إلى ابرام اتفاق التحكيم عن إرادة واضحة ويقين قاطع , ولا عبرة هنا بالإرادة التي لم تتجه لإحداث أثر قانوني.


محكمة النقض المصرية – الدائرة التجارية والاقتصادية – الطعن رقم 2698 +3100 + 3299 لسنة 86 قضائية – صدر بتاريخ 13-03-2018م

النص الكامل للحكم PDF