الاختصاص التحكيمي يُعتبر اختصاصاً نوعياً وليس نسبياً وبالتالي يمكن إثارة الدفع بوجود شرط التحكيم في أي مرحلة من المراحل أمام القضاء.

… وحيث أن السؤال الذي يطرح في القضية الحاضرة يتمحور حول مدى إمكانية اللجوء إلى التحكيم في ظل وجود بند تحكيمي بعد وضع المحكمة العادية يدها على النزاع وعدم اثارة الدفع بعد اختصاصها للنظر في النزاع في بدء المحاكمة وقبل الادلاء بدفوع عدم القبول أو الدفاع في الأساس. وحيث أن المسألة تتعلق بتحديد مدى الاختصاص العائد للمحكم في حال تم رفع النزاع أمام القضاء العادي، بمعنى آخر ماهي طبيعة الاختصاص العائد للمحكم بالاستناد إلى البند التحكيمي وبالتالي هل هو اختصاص نوعي أم نسبي ؟.

وحيث أنه تقتضي الإشارة إلى أن هذه المسألة تطرح في التحكيم الداخلي وليس في التحكيم الدولي . إذ أنه في الحالة الثانية وبالعودة لأحكام اتفاقية نيويورك لعام 1958م …فقد نصت هذه الاتفاقية في المادة 2 فقرة 3 على أن تقوم محكمة الدولة المتعاقدة بإحالة طرفي النزاع العالق أمامها إلى التحكيم بناءً على طلب أحدهم, بحيث تكون بذلك قد أولت الاختصاص للقضاء التحكيمي وليس للقضاء العادي .

وحيث أنه بالنظر لكون قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني لم يتضمن نصاً صريحاً على غرار المادة 1458 من قانون أصول المحاكمات الفرنسي حول جعل المحاكم العادية غير مختصة في نظر النزاع عند وجود بند تحكيمي لا يكون باطلاً بشكل واضح , وفقد انقسم الرأي الفقهي حول طبيعة الاختصاص العائد للمحكم .

وحيث أن الفقه كان يعتبر في البدء أن الاختصاص العائد للمحكم وإن كان يشبه الاختصاص النوعي العائد للمحاكم إلا أنه لا يعادله بالوجه المطلق بل بالوجه النسبي, بحيث أنه بحسب هذا الرأي يعتبر الاختصاص المعطى للمحكم باتفاق الأطراف أنه اختصاص نسبي ومن ثم يكون للدفع بعدم الاختصاص الناشئ عن اتفاق التحكيم الطابع النسبي , وبالتالي يجب التمسك به في بدء المحاكمة وقبل المناقشة في الموضوع , إلا أن الفقه عاد عن هذا التوجه لناحية وجوب اعلان عدم اختصاص المحاكم العادية في حال الادلاء أمامها بوجود بند تحكيمي مستأنساً بأحكام اتفاقية نيويورك وإن يكن ذلك في تحكيم داخلي , سيّما وأنه ورد في مقدمة اتفاقية نيويورك ما يلي : ( اتفاقية بشأن الاعتراف بالقرارات التحكيمية الأجنبية وتنفيذها ) . وهذا ما تأكد من خلال نص المادة الأولى من هذه الاتفاقية، فإنه بالتالي لا يمكن القول أن هذه الاتفاقية اقتصرت فقط على القرارات التحكيمية في تحكيم دولي بل أيضاً يمكن تطبيقها على القرارات التحكيمية الصادرة في الخارج بموضوع تحكيم داخلي.

وحيث أن ما يعزز الرأي حول اعتماد الوجه الثانية لناحية اعتبار الاختصاص التحكيمي بمنزلة الاختصاص النوعي للمحاكم العادية هو ما ورد في نصوص قانون أصول المحاكمات المدنية … وحيث أنه يستنتج مما تقدم بيانه أن الاختصاص التحكيمي أضحى اختصاصاً نوعياً بحيث يمكن إثارة الدفع بعدم الاختصاص أمام المحاكم العادية في حال وجود بند تحكيمي في أية مرحلة من مراحل المحاكمة.


محكمة استئناف بيروت – الغرفة الثالثة – القرار رقم /540/ لعام 2015م

النص الكامل للحكم PDF